حملات التشجير... تلك التظاهرات البيئية التي تستقطب المواطنين، ولكن تلك المسلمات "الإيجابية" التي كنا نعتبرها حول التشجير، بدأت تواجه بنقد علمي، حيث بينت النتائج في بعض الأحيان، أن هذه الحملات قد تسبب، الضرر أكثر من النفع وخصوصا على التوازن البيئي في بيئات معينة، وهنا نطرح السؤال المطروح في العنوان الرئيس، حقيقة حملات التشجير... مشاريع حيوية أم تدخلات بيئية مثيرة للجدل، وفي هذا المجال، قدم الباحث المستقل رامي معلوف أحدث دراساته العلمية، (تقييم نقدي للعواقب البيئية والإيكولوجية والقانونية لتشجير الأرز اللبناني والزراعة الأحادية في لبنان: حالة جبل صنين نموذجا)، عام كامل من البحث والتوثيق".
وتأتي هذه الدراسة الأخيرة، حيث أبرز فيها نقدا لمشاريع التحريج التي تحصل في لبنان، والتي وصفها معلوف لموقعنا "زوايا ميديا" بأنها ليست غير قانونية فحسب، بل قد تهدد التنوع البيولوجي الطبيعي في لبنان، وأنها وخلافا لما يتم تناقله بأنها مشاريع حيوية، فإنها مشاريع "براقة" قد يكون لديها تأثير بيئي مثير للجدل، خصوصا لجهة التأثير السلبي على الأنواع المستوطنة والنادرة في البلاد، وأن الثمن الحقيقي باهظ للغاية!
الزراعة الإنتقائية الأحادية Monoculture
بداية، وفي اتصال قال معلوف لموقعنا "زوايا ميديا": "تناولنا في هذه الدراسة، تشجير غرسات الأرز، وبالتحديد عملية التشجير الإنتقائي الأحادي Monoculture، حيث تشكل حوالي 95 بالمئة منها، وخصوصا التي تستهدف الجبال العالية، أي عملية afforestation للمناطق الجرداء التي لم يكن فيها أي أشجار من قبل، وقد ركزت في دراستي على جبل صنين، كوني خبيرا في هذا الجبل".
وتابع: "حاولت برهنة أنه على عكس ما تروج له هذه الحملات، بأنها جهود لإعادة غابات Reforestation، وبالإعتماد على عدة دراسات، وبأنها زراعات مكثفة تعتمد نوعًا واحدًا من الأشجار (أحادية)، وأن هذه الحملات قد تؤدي إلى تدمير النظم البيئية الجبلية الغنية بالتنوع أصلًا، وكما أكدت في الدراسة على غنى جبل صنين بالذات بالتنوع البيولوجي، إذ يعتبر الأغنى بين النظم الجبلية المتنوعة الموجودة في لبنان، وذلك بوجود موائل نادرة لبعض الأنواع التي لا توجد إلّا فيه، وبينها نباتات مرشحة لأن تكون على لائحة النباتات المرشحة للانقراض".
وأشار معلوف إلى أن "هذه الدراسة شملت أيضا خلاصة إحصاءات لتلك النباتات المتوطنة في جبل صنين، فقد امتدت أبحاثي على مدى سبع سنوات من العمل الميداني على سفح جبل صنين الغربي ضمن بلدتي بسكنتا والمتين، وهناك حاليا مواقع ثلاث حملات تشجير كبيرة ضمن مناطق رئيسية على جبل صنين، وهي منطقة قناة باكيش على المنحدرات الغربية للجبل، وموقع فوق كنيسة "سيدة العالي"، وقطعة أرض خاصة في قرية المتين. وتقع هذه المواقع في بيئة تتميز بتضاريسها الصخرية الجيرية، وذات التربة الرقيقة، ومناخها الجبلي المتوسطي مع شتاء بارد ومثلج وصيف جاف ومعتدل. تاريخيًا، استُخدمت هذه المنحدرات للرعي الموسمي، وتعرضت لضغوط بشرية أخرى، ممّا شكل المشهد الطبيعي الحالي. فالمبادرة المعروفة باسم مشروع إعادة تحريج صنين تهدف إلى زراعة الأرز اللبناني على ارتفاعات تتراوح بين 1600 و1900 وصولا إلى 2050 مترا، مع التحضير لمواقع جديدة، وقد بدأت الجمعية "مبادرة إعادة التحريج في لبنان" (LRI) بتنفيذها بالتعاون مع شركاء محليين ووزارات حكومية (وزارة الزراعة، وزارة البيئة) منذ عام 2018".
وأوضح معلوف: "توقيت هذه الدراسة بالغ الأهمية، حيث تواصل الجرافات شقّ الطرق عبر سفوح جبل صنين لزراعة آلاف غروس الأرز، مُدمّرةً في الوقت نفسه موائل بعضٍ من أندر نباتات العالم، وهي أنواع لا توجد في أي مكانٍ آخر على وجه الأرض، ويُوثّق بحثي أكثر من 420 نوعًا من النباتات في المناطق المُستهدفة لزراعة الأرز أحادي النوع، بما في ذلك 28 نوعًا لا توجد إلا في لبنان، وثلاثة أنواع توجد حصريًا في جبل صنين نفسه، وقد اعتمدت عمليات التشجير استخدام آليات ثقيلة (بوكلين) وحفر طرقات، ما أدى إلى تدمير الغطاء النباتي الذي كان متواجدا، والذي يتعارض مع كل مبادئ الترميم البيئي الصحيح، وكذلك لجهة التنفيذ الخاطئ، والخروقات القانونية الواضحة لناحية عدم احترام قانون البيئة، وخصوصا تقييم الأثار البيئية المبدئية IEE أو الآثار البيئية الشاملة EIA، لا سيما وأن المنطقة حساسة وهشة بيئيا وتتطلب كلا النوعين من الدراسات البيئية المعمقة".
وقد تناول معلوف "دور الوزارات المختلفة التي روّجت لهذه الحملات، ومنها مشروع (ممرّ الأرز) Cedar Corridor أو حملة تشجير 40 مليون شجرة، وضمنها حملات في الشوف وعدة مناطق، حيث أعتبرُ الوزارات شريكة بهذه "الجريمة"، وأصفها بجريمة لأن هناك مخالفة للقانون، والوزارات تعلم هذا الأمر، ولا تغض النظر فحسب، بل هي مشاركة أيضًا. وقد تحدّثت عن التمويل الذي يأتي من المانحين الذين هّمهم الوحيد هو زرع عدد الأشجار المطلوب للحصول على المبلغ المطلوب، بدون الأخذ بالاعتبار القانون أو المعايير البيئية والتنوع البيولوجي. وأستشهد ببحث قام به برنكاليون Brancalion وهو أحد الباحثين في البرازيل في دراسة بعنوان "ما وراء الهكتارات" (Beyond Hectares)، يشدد فيها على تنوع الأنواع، ووظائف النظام البيئي، والمرونة على المدى الطويل بدلاً من مجرد أعداد الأشجار أو النباتة المزروعة. فالجمعيات تعمل على مشاريع يمولها مانحون بأهداف نبيلة مثل الحفاظ على الطبيعة، وتمويل الموظفين، ويبدأ الطمع بالقيام بمشاريع قد لا تراعي القانون والنظم البيئية. والمفارقة كيف يصبح الإنسان عدوًا للقضية التي كان يدافع عنها.
الدراسة
بالعودة إلى الدراسة الحديثة التي نشرت في مجلة ecoevorxiv العلمية، حيث ذكر الموقع أنها مُسوّدة أولية ولم تخضع لمراجعة الأقران، وبالتالي فإن طبعتها النهائية ستكون في المستقبل القريب، وبعد أن تخضع للنقد العلمي المستفيض، وسنورد أهم النقاط فيها في هذا المقال.
وذكرت الدراسة أن "الأرز اللبناني، يجسد رمزًا وطنيًا تاريخيا بارزًا ونوعًا أساسيًا في النظم البيئية الجبلية في البلاد، حيث غطت غابات الأرز الكثيفة مساحات شاسعة من جبال لبنان، إلا أن قرونًا من إزالة الغابات، إلى جانب الرعي الجائر وتجزئة الموائل، وتأثيرات تغير المناخ المتزايدة، قد قلّصت انتشاره بشكل كبير، وقد أدى هذا التراجع إلى تصنيف الأرز اللبناني ضمن الأنواع المعرضة للخطر في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعةIUCN ، ما دفع إلى إطلاق العديد من مبادرات التشجير وإعادة التحريج، والتي غالبًا ما كانت واسعة النطاق، وفي حين أن زيادة الغطاء الشجري هدف مشروع للحفاظ على البيئة، فإن الاستراتيجية السائدة في لبنان، والمتمثلة في مثل هذه المشاريع غالبًا ما تتضمن إنشاء مزارع أحادية واسعة النطاق وعالية الكثافة لشجرة الأرز اللبناني، وهذا النهج، على الرغم من فعاليته المحتملة في زيادة أعداد الأشجار بسرعة، يثير مخاوف بيئية كبيرة، كما أن استدامته على المدى الطويل، لا سيما في البيئات الجبلية المعقدة، يعتبر موضع نقاش مستمر".
وأضافت الدراسة: " تظهر مزارع الزراعة الأحادية بطبيعتها تعرضها بشكل خاص للآفات والأمراض الخاصة بأنواع معينة، ويضاعف هذه الآفات تعرضها للظروف المناخية المتطرفة مثل الجفاف الشديد، علاوة على ذلك، فإن زراعة الأشجار على نطاق واسع في مناطق لم تكن غابات كثيفة تاريخيًا، مثل بعض المراعي المرتفعة، أو أراضي الشجيرات، أو النتوءات الصخرية، يُمكن أن يُلحق هذا ضررًا بالغًا بالنظم البيئية الفريدة غير الحرجية، ويُعرّض النباتات المُتخصصة المُتكيّفة مع الظروف المفتوحة للخطر، ويُشير مسحنا النباتي إلى أن جبل صنين يحتوي مستويات استثنائية من أنواع النباتات المُتوطنة، والعديد منها مُتكيّف مع هذه الموائل الجبلية المفتوحة".
الزراعة الأحادية Monoculture
وأضافت الدراسة: " تظهر مناطق الزراعة الأحادية بطبيعتها تعرضها بشكل خاص للآفات والأمراض الخاصة بأنواع معينة، ويضاعف هذه الآفات تعرضها للظروف المناخية المتطرفة مثل الجفاف الشديد. علاوة على ذلك، فإن زراعة الأشجار على نطاق واسع في مناطق لم تكن غابات كثيفة تاريخيًا، مثل بعض المراعي المرتفعة، أو أراضي الشجيرات، أو النتوءات الصخرية، يُمكن أن تلحق ضررًا بالغًا بالنظم البيئية الفريدة غير الحرجية، وتُعرّض النباتات المُتخصصة المُتكيّفة مع الظروف المفتوحة للخطر. ويُشير مسحنا النباتي إلى أن جبل صنين يحتوي على مستويات استثنائية من أنواع النباتات المُتوطنة، والعديد منها مُتكيّف مع هذه الموائل الجبلية المفتوحة".
تأثير التضاد الأليلوجي Allopathy، وتغيير حموضة التربة
تشير الدراسة إلى هذا الموضوع كما يلي: "لا تقتصر وظيفة أشجار الأرز على إلقاء الظلّ فحسب، بل تشن "حربًا كيميائية" ضد النباتات الأخرى، فمن خلال عملية تُسمى التضاد الأليلوجي Allopathy ، حيث تُطلق أشجار الأرز من أجزائها المختلفة مركبات طبيعية تعمل كمبيدات أعشاب، مما يمنع الأنواع الأخرى من النمو تحتها، وعندما تزرع آلاف أشجار الأرز معًا في مزارع أحادية كثيفة، فإنك تُنشئ ما يُطلق عليه علماء البيئة "صحارى بيولوجية" - وهي مناطق يُستبدل فيها النسيج الغني لنباتات الجبال بتجانس عقيم. وليس ذلك فحسب، فإن أوراق وإفرازات هذه النباتات تغير حموضة التربة، مما يمنع نمو النباتات المختلفة وخصوصًا المتوطنة والحساسة منها ويعرضها لخطر الإنقراض.
وتشير الدراسة إلى أن "هذه ليست مجرد خسارة جمالية، بل أن هذه المجتمعات النباتية المتنوعة تدعم أنظمة بيئية كاملة: الملقحات (النحل والحشرات)، وكائنات التربة، وشبكة الحياة المعقدة التي تجعل الغابات مقاومة للجفاف والأمراض وتغير المناخ، ما يعرض هذه النظم لفقدان توازنها وكذلك الأنواع النادرة المختلفة التي تحتويها.
نمط وطني للتدمير البيئي
وتتابع الدراسة: "نموذج جبل صنين ليس فريدًا، بل هو مثال على نهجٍ معيبٍ يُطبّق في جميع أنحاء جبال لبنان، من تنورين إلى بشري، ومن عكار إلى الشوف. يبرز النمط نفسه في جميع أنحاء سلسلة جبال لبنان: مزارع واسعة النطاق لنوع واحد من الأشجار تُنفّذ باستخدام آلات ثقيلة، وتقييم بيئي محدود، مقياسه الأهم تمويل مقدم من مانحين".
ويُظهر البحث أن "هذا النهج يُسيء فهم ما ينبغي أن تُحققه إعادة تأهيل الغابات. وكنقطة انطلاق، ينبغي إيقاف التشجير تمامًا في جبال لبنان، هذه المناطق المرتفعة هي أراضٍ عشبية مفتوحة طبيعية، ونتوءات صخرية، وأراضي شجيرات تدعم نباتاتها الفريدة المُتكيّفة مع هذه الظروف، ويعتبر تحويل هذه النظم البيئية غير الحرجية إلى مزارع أرز يُشكّل تشجيرًا غير مُناسب يُدمّر الموائل القيّمة القائمة".
وترى الدراسة أنه "لإعادة التحريج - أي إعادة تأهيل المناطق التي كانت تُشجّر تاريخيًا - يجب أن يكون النهج مختلفًا جذريًا. تتطلب إعادة التحريج الحقيقية زراعة أنواع مختلطة باستخدام مجموعات متنوعة من الأشجار الأصلية المناسبة لكل موقع، وتصميم خاص بالموقع يعتمد على تقييمات بيئية شاملة، والامتثال القانوني لتقييمات الأثر البيئي الإلزامية، والرصد طويل الأمد للنتائج البيئية بدلًا من مقاييس إحصاء الأشجار البسيطة".
جبل صنين: نقطة ساخنة لتنوع بيولوجي مهدد
وتوضح الدراسة: "يُجسّد جبل صنين هذه المشاكل الأوسع نطاقًا، وقد أثبتت المسوحات النباتية المستمرة - التي أجراها الباحث - توثيق نباتات هذا الجبل على مدى سبع سنوات منذ عام 2018، وقد وجد فيها أن هذه المنطقة تُعدّ واحدة من أهم النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي في لبنان، وتضمّ المنحدرات الغربية وحدها ما يقارب 30 بالمئة من النباتات المتوطنة في لبنان و28 بالمئة من أنواع النباتات المهددة بالانقراض في البلاد، ومع ذلك، تُستهدف هذه المنحدرات نفسها بزراعة الأرز الأحادية على نطاق واسع، وقد روجت مبادرة إعادة التحريج في لبنان LRI خططًا لزراعة 100 ألف غرسة أرز في المنطقة، وبالنسبة إلى الأنواع المتوطنة الدقيقة المهددة بالانقراض بشدة، مثل Alchemilla diademata، والتي تعتمد على ظروف محددة للأراضي الرطبة، فإن هذا يُمثّل تهديدًا وجوديًا. وقد تُؤدي التغيرات في تدفق المياه الناتجة من بناء الطرق واضطراب التربة إلى القضاء على الظروف الدقيقة التي تحتاج إليها هذه الأنواع للبقاء على قيد الحياة، فتكون معرضة للإنقراض".
كيف تبدو عملية الترميم الحقيقية؟
ويرى معلوف في دراسته أن "الحل ليس في إيقاف زراعة الأشجار بالكامل، بل في تغيير نهجنا جذريًا، بالنسبة للمناطق التي كانت تُشجّر تاريخيًا وتحتاج إلى إعادة تشجير، يُقدّم علم الترميم البيئي إرشادات واضحة تتجاهلها جهود لبنان الحالية إلى حد كبير وهي: الزراعة المختلطة، باستخدام توليفات متنوعة من الأشجار والشجيرات والنباتات العشبية المحلية المناسبة لكل موقع، وقد يشمل ذلك أشجار البلوط والقيقب والكرز البري والعرعر المحلية إلى جانب أشجار الأرز، بالإضافة إلى الطبقة السفلية الغنية بالأعشاب المتوطنة التي تجعل هذه النظم البيئية فريدة، التصميم الخاص بكل موقع، فليس من الضروري تشجير جميع المناطق، بل إن حماية وتعزيز الموائل القيّمة الموجودة، مثل النتوءات الصخرية والمراعي التي تدعم النباتات المتخصصة، حيث تشتمل عملية الترميم فسيفساء من أنواع الموائل المختلفة، لا أن تُغطي غطاءً غاباتيًا شاملًا، وقف حملات التشجير غير المناسب، بالتوقف عن تحويل النظم البيئية الطبيعية غير الحرجية إلى مزارع أشجار، فهذه الموائل الجبلية المفتوحة ليست أراضٍ متدهورة، بل هي أنظمة بيئية فريدة ذات قيمة حفظ خاصة بها، وأساليب ذات تأثير منخفض، بالتخلي عن الآلات الثقيلة لصالح تقنيات الزراعة اليدوية التي تقلل من اضطراب التربة وتدمير الموائل الحساسة، وأخيرا إنفاذ القوانين البيئية الحالية وبصورة علنية التي تتطلب تقييمات الأثر قبل بدء أي أنشطة مُزعجة للتربة.
سباق مع الزمن
وأشار معلوف: " تكشف دراستي بالفعل عن الحاجة الملحة لحماية ما تبقى، كل شهر من التأخير في تنفيذ تدابير الحفظ المناسبة يزيد من خطر فقدان الأنواع إلى الأبد"، موضحا: "يُسلط اكتشاف زهرة "نسمة صنين" Onosma sanninensis كنوع جديد الضوء على مدى ما نجهله حتى الآن عن نباتات لبنان، فكم عدد الأنواع الفريدة الأخرى التي لا تزال غير مكتشفة في المناطق التي يتم تحويلها إلى زراعة الأرز الأحادية؟ بمجرد تدمير هذه الموائل، قد لا نعرف أبدًا ما فقدناه".
دعوة للمساءلة
يقول معلوف: " تكشف دراستي بالفعل عن الحاجة الملحة إلى حماية ما تبقى، كل شهر من التأخير في تنفيذ تدابير الحفظ المناسبة يزيد من خطر فقدان الأنواع إلى الأبد".
وأوضح: "يُسلط اكتشاف زهرة "نسمة صنين" Onosma sanninensis كنوع جديد الضوء على مدى ما نجهله حتى الآن عن نباتات لبنان، فكم عدد الأنواع الفريدة الأخرى التي لا تزال غير مكتشفة في المناطق التي يتم تحويلها إلى زراعة الأرز الأحادية؟ بمجرد تدمير هذه الموائل، قد لا نعرف أبدًا ما فقدناه".
دعوة للمساءلة
تتطلب الأزمة البيئية في لبنان الصدق بشأن ما ينجح وما لا ينجح. يقول معلوف: "يُظهر بحثي أن النهج الحالي لإعادة التحريج، على الرغم من النوايا الحسنة، يفشل في تحقيق أهدافه المعلنة المتمثلة في استعادة النظام البيئي والحفاظ على التنوع البيولوجي، وفي كثير من الحالات، يُقوّض هذا النهج هذه الأهداف بشكل فعال. والمنظمات المنفّذة تُدرك الضرر البيئي المحتمل الذي قد تُسببه أساليبها".
ويتابع: "يجب على الجهات المانحة الدولية التي تُموّل هذه المشاريع طرح أسئلة جادة حول النتائج البيئية التي تدعمها، وعلى الوزارات الحكومية أن تطبق قوانينها البيئية الخاصة باستمرار، بغض النظر عن الضغوط السياسية أو وضوح رؤية المشروع. ويجب على المنظمات المنفّذة إعطاء الأولوية للسلامة البيئية على إحصاءات الزراعة المبهرة".
وأشار إلى أنه "على الرغم من أن الأرز يُعدّ رمزًا وطنيًا للبنان؛ ولكن ينبغي ألّا يكون الشجرة الوحيدة في غابات لبنان، وينطبق المبدأ نفسه على أشجار الصنوبر التي تُهيمن على المناطق المنخفضة، إن الترميم الحقيقي يُكرّم التعقيد الكامل لنظمنا البيئية الجبلية: الأعشاب المتوطنة، والشجيرات المتنوعة، ومجتمعات التربة المتنوعة، وأشجار الأرز المهيبة، جميعها تعمل معًا في رقصة معقدة من العلاقات البيئية التي تجعل الغابات متينة وحيوية".
وختم معلوف: "تستحق جبال لبنان ما هو أفضل من الزراعة الأحادية البيولوجية التي تتخفى وراء ستار الترميم. إنها تستحق الحفاظ المدروس القائم على العلم الذي سيحفظ تنوعها البيولوجي الفريد للأجيال القادمة. السؤال هو: هل سنعمل على هذه المعرفة قبل فوات الأوان"؟